للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أراد بقوله أتى المسلمون على هذا فهذا أبلغ. ومعلوم أن مثل هذا النقل للإجماع لم ينقله عن معرفته بأقوال الأئمة، لكن لما علم أن القرآن أخبر بأن الله خالق كل شيء، وأن هذا من أظهر الأمور عند الأمة، حكى الإجماع على هذا، ثم اعتقد أن من خالف الإجماع كفر بإجماع. فصارت حكايته لهذا الإجماع مبنية على هاتين المقدمتين اللتين ثبت النزاعُ في كل منهما.

وأعجب من ذلك حكايته الإجماعَ على كفر من نازع أنه سبحانه لم يزل وحدَه ولا شيء غيره معه، ثم خلق الأشياء كما شاء. ومعلوم أن هذه العبارة ليست في كتاب الله ولا تنسب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل الذي في الصحيح (١) عنه حديث عمران بن حصين عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كان الله ولا شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض"، وفي لفظ: "ثم خلق السماوات والأرض". ورُوِي هذا الحديث في البخاري بثلاثة ألفاظ (٢): رُوِي "كان الله ولا شيء قبله"، ورُوِي "ولا شيء غيره"، ورُوِي "ولا شيء معه" (٣)، والقصة واحدة، ومعلوم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما قال واحدًا من هذه الألفاظ، والآخران رُوِيا بالمعنى. وحينئذٍ فالذي يناسب لفظ ما ثبت عنه في الحديث الآخر الصحيح (٤) أنه كان يقول في دعائه: "أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخِر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء". فقوله


(١) البخاري (٣١٩١، ٧٤١٨).
(٢) بل باللفظين الأولين فقط في الموضعين.
(٣) هذا اللفظ في رواية غير البخاري. انظر "الفتح" (٦/ ٢٨٩).
(٤) مسلم (٢٧١٣) عن أبي هريرة.