للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا كلام في سياق نفي الإلهية عن المسيح وغيره، وتكفير من قال: إنه الله، أو إنّ الله ثالث ثلاثة، ومن اتخذه وأمة إلهين من دون الله، فبيَّن غايته وغاية أمّه، فقال (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقه)، وهو ردّ على اليهود والنصارى. ثم قال: (كانا يأكلان الطعام)، وهو يقتضي أن أكل الطعام منافٍ للإلهية، فمن يأكل الطعام لا يصلح أن يكون إلهًا. ولولا منافاته للإلهية لم يذكر دليلاً على نفيها، فإن الدليل يستلزم المدلول عليه، فعُلِم أن أكل الطعام يستلزم نفي الإلهية.

وقد ذكروا في ذلك وجهين (١)، أشهرهما أن من يأكل ويشرب يعيش بالغذاء، ومن يقيمة اكل والشرب كان مفتقرًا إلى غيره، فلا يصلح أن يكون إلهًا. وهذا هو الذي ذكره أكثر المفسرين.

وقال طائفة منهم ابن قتيبة (٢): إنّه نبَّه على عاقبته، وهو الحدث، إذ لابد لأكل الطعام من الحدث. قال: وقوله (اَنظُر كيف نبين لهم الآيات) من ألطف ما يكون من الكناية.

وهذا الوجه صحيح في حق المسيح وأمثاله من البشر في الدنيا، فإن أكلهم الطعامَ يستلزم الحدثَ، وخروجُ الحدث من أبين الأشياء دلالةً على انتفائه إلهية من يبول ويغوط، وذلك أعظم من كونه يلد. والدليل يجب طردُه ولا يجب عكسُه، فلا يلزم أن يكون كل من


(١) انظر تفسير ابن عطية (٥/ ١٦٢) و"زاد المسير" (٢/ ٤٠٤) والقرطبي (٦/ ٢٥٠).
(٢) في "تفسير غريب القرآن" ص ١٤٥. وردّ عليه ابن عطية فقال: هذا قول بشيع، ولا ضرورة تدفع إليه حتى يقصد هذا المعنى بالذكر، وإنما هي عبارة عن الاحتياج إلى التغذي.