للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الانتفاع بالثمر والزرع هو وعيالُه مع كونها عندهم، ويتضررون بدخولِ العامل عليهم في دارِهم. والعاملُ أيضًا لا يَبقَى مطمئنًّا إلى سلامةِ ثمرِه وزرعه، بل يخاف عليها في مغيبه، وما كلُّ ساكنٍ أمينًا، ولو كان أمينًا لم يُؤمَن الضِّيفانُ والصبيانُ والنسوانُ، وهذا كلُّه معلومٌ.

فإذا كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن المزابنة (١) - وهي بيعُ الرُّطب بالتمر- لما في ذلك من بيع الربا بجنسِه مجازفةً، وبابُ الربا أشرُّ من باب الميسر، ثم إنه أرخصً في العرايا أن تُباعَ بخَرْصِها لأجل الحاجة، وأمرَ رجلاً أن يبيعَ شجرةً له في ملك الغير- لتضرره بدخوله عليه- أو يَهَبَها له، فلما لم يَفْعَل أمرَ بقَلْعِها (٢)، فأوجبَ عليه المعاوضةَ لرفع الضررِ عن مالك العَقار، كما أوجبَ للشريك أن يأخذَ الشِّقصَ بثمنِه رفعًا لضرر المشاركة والمقاسمة- فكيف إذا كان الضررُ ما ذُكِر؟

ومعلومٌ أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيلِ المفاسِد وتقليلها، وأنها تقدِّر خيرَ الخيرين بتفويت أدناهما، وتدفع شرَّ الشرين باحتمال أدناهما، والفساد في ذلك أعظم مما يُظَنُّ من حصولِ ضررٍ ما لأحدِ المتعاوضين، فإن هذا ضررٌ كبير محقَّقٌ. وذاك إن حَصَلَ فيه ضررٌ فهو يسير قليل مشكوك فيه.

وأيضًا فالمساقاة والمزارعة يُعتَمد فيها أمانة العامل، وقد يتعذَّر ذلك كثيرًا فيحتاج الناسُ إلى المؤاجرة التي فيها مالٌ مضمونٌ في


(١) أخرجه البخاري (٢٢٠٧) من حديث أنس. والبخاري (٢٣٨١) ومسلم (١٥٣٦) من حديث جابر.
(٢) أخرجه أبو داود (٣٦٣٦) من حديث سمرة بن جندب.