للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله وحده لا شريك له، فإن الجن والإنس خُلِقوا لذلك، لكن لا يتم ذلك إلّا بدفع المكروه، والأول قوة الرزق والثاني قوة النصر، ولا غِنًى لأحدهما عن الآخر، فإن اندفاع المكروه بدون حصول المحبوب عدمٌ، إذ لا محبوب ولا مكروه، وحصول المحبوب والمكروه وجودٌ فاسدٌ، إذ قد حصلا معًا، وهما متقابلان في الترجيح، فربَّما تختار بعضُ النفوس هذا وتختار بعضُها هذا، وهذا عند التكافؤ.

وأما المكروه اليسير مع المحبوب الكثير فيترجح فيه الوجود، كما أن المكروه الكثير مع المحبوب اليسير يترجح فيه العدم. لكن لما كان المقتضي لكل واحدٍ من المحبوب والمكروه الذي هو الخير والشرّ موجودًا، وبتقدير وجودِهما يحصل الضرّ كالرزق مع الخوف، صار يعظم في الشرع والطبعِ دفعُ المكروه، أما في الشرع فبالتقوى، فإن اسمها في الكتاب والسنة والإجماع عظيم (١)، والعاقبة لأهلها والثواب لهم. وأما في الطبع فتعظيم النفوس لمن نصرهم بدفع الضرر عنهم من عدوّ أو غيره، فإن أهل الرزق معظِّمون لأهل النصر أكثر من تعظيم أهل النصر لأهل الرزق. وذلك ــ والله أعلم ــ لأن النصر بلا رزقٍ ينفع، فإن الأسباب الجالبة للرزق موجودة تعملُ عملَها، وأما الرزق بلا نصرٍ فلا ينفع، فإن الأسباب الناصرة تابعة.

وفي هذا نظرٌ، فقد يقال: هما متقابلان، فإن أهل النصر يحبون أهل


(١) في الأصل: "عظيمًا".