حينِ فُرقةٍ من المسلمين، تَقتُلُهم أولى الطائفتين بالحق". وهذه المارقة هم أهل حَرُورَاءَ، الذين قتلوا أميرَ المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابَه لما مَرَقُوا من الإسلام، وخرجوا عليه، فكَفَّرُوه وكَفَّروا سائرَ المسلمين، واستحلُّوا دماءَهم وأموالَهم.
وقد ثبتَ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من طرقٍ متواترةٍ (١) أنه وصفَهم وأمرَ بقتالِهم، فقال: "يَحقِرُ أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم، وصيامَه مع صيامِهم، وقرأنه مع قرآنِهم، يَقرءون القرآنَ لا يجاوزُ حناجرَهم، يَمرُقون من الإسلام كما يَمرُق السَّهمُ من الرَّميَّةِ، لو يَعلم الذين يقتلونهم مالهم على لسانِ محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنَكَلُوا عن العمل". فقتلَهم علي رضي الله عنه وأصحابُه، وسُرَّ أميرُ المؤمنين بقتلهم سرورًا شديدًا، وسَجَدَ الله شُكْرًا، لمّا ظهرَ فيهم علامتُهم، وهو المُخْدَجُ اليدِ الذي على يَدِه مثلُ البَضْعَةِ من اللحم عليها شَعَراتٌ، فاتفقَ جميعُ الصحابة على استحلالِ قتالِهم، ونَدِمَ كثير منهم -كابن عمر وغيرِه- أن لا يكونوا شهدوا قتالَهم مع أمير المؤمنين. بخلافِ ما جَرى في وقعة الجمل وصفِّين، فإنّ أمير المؤمنين كان متوجعًا لذلك القتال، مُتشكِّيًا مما جَرَى، يَتَراجِعُ هو وابنُه الحسنُ القولَ فيه، ويذكر له الحسنُ أن رأيَه أن لا يفعله.
فلا يستوي ما سَرَّ قلبَ أميرِ المؤمنين وأصحابه وغَبِطَه به مَن لم يَشْهَدْه، مع ما تواتَر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه وساءَه وساَءَ قلبَ أفضلِ أهلِ بيتِه حِبِّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الذي قال فيه: "اللهمَّ إني أُحِبُّه، فأحَبَّ من
(١) أخرجه البخاري (٣٦١٠ ومواضع أخرى) ومسلم (١٠٦٤) عن أبي سعيد الخدري من طرق كثيرة.