لمن ادعاهما من التناقض إذا احتج بالإجماع، فمن ادعى الإجماع في الأمور الخفية بمعنى أنه يعلم عدمَ المنازع فقد قَفا ما ليس له به علم. وهؤلاء الذين أنكر عليهم الإمام أحمد. وأما من احتج بالإجماع بمعنى عدم العلم بالمنازع فقد اتبع سبيل الأئمة، وهذا هو الإجماع الذي كانوا يحتجون به في مثل هذه المسائل.
وقد ختم الكتاب ببابٍ من الإجماع في الاعتقادات، فكفَّر من خالفه، فقال: اتفقوا أنَّ الله وحده لا شريك له، خالق كل شيء غيره، وأنه تعالى لم يزل وحده، ولا شيء غيره معه، ثم خلق الأشياء كلَّها كما شاء، وأن النفس مخلوقة، والعرش مخلوق، والعالم كله مخلوق.
قلت: أما اتفاق السلف وأهل السنة والجماعة على أن الله وحده خالق كل شيء فهذا حق، ولكنهم لم يتفقوا على كفر من خالف ذلك، فان القدرية -الذين يقولون: إن أفعال الحيوان لم يخلقها الله- أكثر من أن يمكن ذكرهم من حين ظهرت القدرية في أواخر عصر الصحابة إلى هذا التاريخ، والمعتزلة كلهم قدرية، وكثير من الشيعة بل عامة الشيعة المتأخرين وكثير من المرجئة والخوارج وطوائف من أهل الحديث والفقه نُسِبوا إلى ذلك، منهم طائفة من رجال الصحيحين، ولم يجمعوا على تكفير هؤلاء. بل هو نفسه قد ذكر في أول كتابه أنه لا يكفّر هؤلاء. والمنصوص عن مالك والشافعي وأحمد في القدرية أنهم إذا جحدوا العلم كفروا، وإذا لم يجحدوه لم يكفروا.
وأيضا فقد ذكر في كتابه "الملل والنحل"(١) أن الصحابة وأئمة الفتيا لا يكفرون من أخطأ في مسألة في الاعتقاد ولا فُتيا. وإن كان