الذي يُؤَرَّخ له التاريخ الرومي، وبه يُؤَرِّخ كثير من اليهودِ والنصارى، وكان قبل المسيح عليه السلامُ بنحوِ ثلاثمائةِ سنةٍ. وبعدَ المسيح بنحوِ ثلاثمائةِ سنةٍ كان قُسْطَنْطِينُ الذي أقامَ دينَ النصارى بالسيف، وفي عهدِه أحدثوا الأمانةَ وتعظيمَ الصليب واستحلالَ الخنزير والقولَ بالتثليثِ والأقانيمِ بمَجْمَعِهِم الأوّل المسَمَّى بمجمعِ نِيْقِيَة.
وهذا الإسكندر المقدوني هو الذي ذهبَ إلى أرضِ الفُرْسِ وغَيَّر ممالِكَهم، وليس هو ذا القَرنين المذكور في القرآن، الذي بَنَى سَدَّ يأجوجَ ومأجوجَ، فإنّ هذا كانَ متقدمًا على ذلك، وكان موحدًا مسلمًا.
والمقدوني لم يَصِل إلى تلك الأرض، وكان هو وقومُه مشركين يعبدون الهياكلَ العُلْوِيةَ والأصنامَ الأرضيةَ، ولم يزالوا على ذلك حتى وصلتْ إليهم دعوةُ المسيحِ عليه الصلاةُ والسلام، فأسلمَ منهم من أسلمَ، وكانوا متبعينَ لدينِ المسيحِ الحقِّ، إلى أنْ بُدِّلَ منه ما بُدِّلَ.
وهؤلاء كانوا بأرض الروم وجزائرِ البحر، لم يَصِلْ إليهم من أخبار إبراهيم وآل إبراهيم -كموسى بن عمران وغيرِه- ما عَرَفوا به حقيقةَ النبوة، ولهذا كان أرسطو أوَّلَ من قالَ بقِدَمِ الأفلاكِ من هؤلاء، بخلافِ مَن قبلَه كأفلاطونَ وشيخِه سُقراطَ، وشيخِ سقراط فيثاغورسَ، وشيخ فيثاغورسَ انبدقلس، فإنّ هؤلاء كانوا يقولون بحدوث صورة الفلك، ولهم في المبادئ كلام طويل قد بَسطناهُ في الكتاب الكبير (١) الذي ذكرنا فيه مقالاتِ العالَم في مسألة
(١) لعله يقصد به "درء تعارض العقل والنقل"، فقد أطال فيه الكلام على مسألة حدوث العالم والردّ على حجج الرازي، وخاصة في المجلدين الثاني والثالث منه.