والثاني: أن هذا واجب على العبد، عليه أن يفعله، وفاعله هو البار والبرُّ، وهو المحسن المذكور في الآية.
وقد أمر الله في كتابه بالعدل والإحسان، والأمر يقتضي الوجوب، وقد يكون بعض المأمور به مندوبًا، والإحسان المأمور به ما يمكن اجتماعه مع العدل، فأما ما يرفع العدل فذاك ظلم، وإن كان فيه نفع لشخص، مثل نفع أحد الشريكين إعطاءً أكثر من حقه، ونفع أحد الخصمين بالمحاباة له، فإن هذا ظلم، وإن كان فيه نفعٌ قد يُسمى إحسانًا.
والعدل نوعان:
أحدهما: هو الغاية، والمأمور بها، فليس فوقه شيء هو أفضل منه يؤمر به، وهو العدل بين الناس.
والثاني: ما يكون الإحسان أفضل منه، وهو عدل الإنسان بينه وبين خصمه في الدم والمال والعِرْضِ، فإن الاستيفاء (١) عدل، والعفو إحسان، والإحسان هنا أفضل، لكن هذا الإحسان لا يكون إحسانًا إلا بعد العدل، كما قدمناه، وهو أن لا يحصل بالعفو ضررٌ، فإذا حصل منه ضرر، كان ظلمًا من العافي، إما لنفسه، وإما لغيره، فلا يشرع.