للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُطلب من الله قد يُنال بغير الطلب. ومن المعلوم أن الدعاء والطلب سببٌ لنيل المطلوب المسؤول، فإن جاز أن يكون للمسؤول سببٌ غيرُ الدعاء في غير هذا الموضع فكذلك في هذا الموضع.

وأيضًا فقوله "من عندك" ليس فيه ما يدل على اختصاصِه بالطلب ولا بالمطلوب، وتفسير اللفظ بما لا دليل عليه هو من جنس تفسير القرامطة الذين يُفسِّرون الألفاظ لما أرادوا، وأكثرُ أهلِ الإشاراتِ الذين يقعون في أشياءَ مثل قطعةِ كثيرةٍ من الحكايات المذكورة في "حقائق التفسير" لأبي عبد الرحمن السلمي، والإشارات التي يعتمدها المشايخ العارفون، هي من جنس القياس والاعتبار.

وهي كشَبَه غيرِ المنطق بالمنطق لكونه في معناه أوْ أولى بالحكم منه، كما يُفعل مثل ذلك في القياس الفقهي، كما إذا قيل في قوله: (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) (١) إذا كان المصحفُ الذي كُتِب فيه طاهرًا لا يمسُّه إلاّ البدن الطاهر، فالمعاني التي هي باطنُ القرآن لا يمسُّها إلاّ القلوبُ المطهرة، وأما القلوب المنجسة لا تمسُّ حقائقَه، فهذا معنىً صحيح، قال تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) (٢). قال بعض السلف: أَمنَعُ قلوبَهم فهمَ القرآن. وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا أذنبَ العبدُ نكتَ في قلبه نكتةٌ سوداءُ، فإن تابَ ونزعَ واستغفر صُقِلَ قلبُه، فإن زادَ زِيدَ فيها حتى تعلو قلبه، فذلك الرانُ الذي قال الله تعالى فيه: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى


(١) سورة الواقعة: ٧٩.
(٢) سورة الأعراف: ١٤٦.