للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك تجويز عبادة كل شيء، وتجويز كل فعل وكل قصد، وذلك مستلزمٌ فساد السموات والأرض، قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) (١)، فإذا لم يكن الدين لله فتكون حركات العباد لغير الله، كانت الفتنة والفساد، فالصلاح أن تكون الحركات لله، والفساد أن تكون لغير الله، وهذا- والله أعلم- من أحسن الأمور، لكنه يحتاج إلى بسط وإكمال.

ولهذا يستدل بالحركات السماوية على وجود الرب وعلى أنه هو الإله المعبود، فإن الحركة تستلزم وجود مبدأ هو السبب الفاعل، وغاية هي المنتهى المقصود، والمقصود بتلك الحركات لو كانت المتحركات يقصد بها غير الله لزم الفساد في المتحركات.

كما بيناه في أنه متى قدر أن يكون المخلوق مقصودًا لذاته لزم الفساد، ومعلوم أن الحركات السماوية جارية على انتظام لا فساد فيها، فعُلِمَ أنها عائدة بهذه الحركات لله قاصدة له، كما دلّ على [ذلك] الكتاب والسنة، لا كما يقوله المشَّاؤون من الفلاسفة أن ذلك لاستخراج الأيُون والأوضاع، فإن ذلك من أفسد الكلام.

وأما المبدأ فقد عُلِمَ أن الحركة ليست طبيعية، لأن تلك إنما تكون إذا خرج المتحرك عن مستقره، وذلك إنما يكون في الحركات المستقيمة، فأما إذا كان المطلوب من جنس المتروك امتنع أن يكون تاركًا لأحدهما طالبًا للآخر، فعُلِمَ أن الحركة إرادية.


(١) سورة الأنفال: ٣٩.