للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المراد بالسجود مجرد دلالتها على الخالق وشهادتها، بل إن الحال له فإن هذا يشترك فيه جميع الناس (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (٣٨)) (١)، وقال تعالى: (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩)) (٢).

ولهذا عدل أبو الحكم بن بَرَّجان في شرحه للأسماء الحسنى من لفظ التخلق والتشبه إلى لفظ التعبد، فصار يذكر معنى الاسم واشتقاقه، ثم الاعتبار إثبات مقتضاه في المخلوقات، ثم تعبد العبد بما شرع له من مقتضاه.

فقد تبيّن بذلك أنه لا يصلح أن يكون شيء من المخلوقات مقصوداً لنفسه، لا مقصوداً له ولا مقصوداً لغيره، وأن ذلك مستلزم لكون شيء من المخلوقات لا يكون ربًّا بنفسه، لا ربّا لنفسه ولا ربّا لغيره.

لكن هذا ممتنع الوقوع كما اعترف به المشركون.

وأما الأول فهو محرم الوقوع، بمعنى أنه إذا وقع كان فيه فساد، لكون الحركات إلى غير غاية نافعة، بل إلى غاية ضارة، كما قال تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) (٣)، ولم يقل: عُدِمَتا، إذْ لو جاز أن يشرع أن تكون المخلوقات آلهة مقصودة معبودة لذواتها لزم من


(١) سورة فصلت: ٣٨.
(٢) سورة ص: ١٨، ١٩.
(٣) سورة الأنبياء: ٢٢.