فذكر في أول السورة أصول النعم، كما قال:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}[النحل: ١٨]، وذكر في أثنائها من اللبن والعسل والأكنان والظلال والخيام ووقاية البأس والحرّ ما هو كمال النعم وتمامها، ولذلك قال:{كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ}[النحل: ٨١]. ولهذا ــ والله أعلم ــ ذكر في أول السورة ما يُدفِئ فيدفع البرد، وذكر في أثنائها ما يدفع الحرَّ والبأسَ، فإن البرد يَقتُل والحرّ يؤذي، وقد يُمكِن الإنسانَ أن يعيش في البلاد الحارَّة بلا لباسٍ عيشًا ناقصًا، كما قد يَسلَم في الحرب بلا سرابيل، وأما البلاد الباردة فلا يعيش فيها الإنسان إلّا بما يُدفِئه. وكذلك سكن البيوت وبيوت الأنعام كل ذلك من تمام النعمة.
وإذا كان ابن آدم مضطرًّا إلى الطعام واللباس، والواحُد لا يقدر أن يصطنع جميع حاجته من الطعام واللباس، كان حاجته إلى مثله ضرورية، فيكون اجتماعُهم ضروريًّا، وإذا اجتمعوا فلابدَّ من واحدٍ يكون هو مبدأ حركتهم فيما يأتونه ويَذَرونه من جلب المنافع ودفع المضار، فكانت الإمارة فيهم ضرورية. ولهذا أوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - في