للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مالًا، فهذا يُنفِقه في الطاعة، وهذا يُنفِقه في المعصية. فهو عندهم لا يُمدَح على إنفاق هذا الابن، كما لا يُذَمُّ على إنفاق الآخر.

وأما أهل السنة فيقولون كما أخبر الله تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) (١)، وقال أهل الجنة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) (٢) الآية. وقال الخليل: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ) (٣)، وقال هو وابنه إسماعيل: (وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) (٤). ويَحمدون الله حمدَ النعمة وحمدَ العبادة، كما قد بُسِط هذا في الكلام في الشكر.

وهو سبحانه جعل مَن شاء من عبادِه محمودًا، ومحمدًا سيد المحمودين، ومحمدٌ تكون صفاتُه المحمودة أكثر، وأحمدُ يكون أحمدَ من غيره، فهذا أفضل، وذاك أكثر. وهو سبحانه جعلَه محمدًا وأحمدَ. فهو المحمود على ذلك، وحمدُ أهل السماوات والأرض جزء من حمده، فإن حمدَ المصنوع حمدُ صانعِه، كما أن كلَّ ملكٍ هو جزءٌ من ملكه، فله الملك وله الحمد.

والحمد إنما يتم بالتوحيد، وهو مناط التوحيد ومقدمة له، ولهذا يُفتَح به الكلامُ، ويُثنَّى بالتشهد. وكلُّ كلام لا يُبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم، وكل خطبة ليس فيها تشهُّدٌ فهي كاليد الجذماء. وإذا كان الحمد كله له .... (٥) بخلاف ما إذا أثبت جنس الحمد من غير


(١) سورة الحجرات: ٧.
(٢) سورة الأعراف: ٤٣.
(٣) سورة إبراهيم: ٤٠.
(٤) سورة البقرة: ١٢٨.
(٥) هنا بياض في الأصل بقدر كلمتين.