للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: النقل المتواتر والعلم الاضطراري وما مَهَّدَتْه الكتب المصنَّفَة دليلٌ على وقوع الخلاف في أعيان هذه المسائل وأدلتها السمعية.

وأيضًا فإنّ الفاضل المُباحِث -أيَّده الله- قد حكَى في مَباحثِه هذه عن القاضي عياض (١): "أما من قال منهم بإثباتِ جهةِ "فوق" له تعالى من غير تحديدٍ ولا تكييف مِن دَهْماءِ المحدثين والفقهاء وبعض المتكلمين منهم فيَتأوَّل "في السماء" بمعنى على، وأما دَهْماءُ النُّظَّار والمتكلمين وأصحاب الإثبات [والتنزيه] المُحِيْلِيْنَ أن يختصَّ به جهة أو يُحيط به حدٌّ، فلهم فيه تأويلات بحسب مقتضاها".

ومعلوم بأنّ هذا تصريح بأنّ لهؤلاء النُّفاةِ تأويلاتٍ يخالف فيها المثبتون لكونه فوقَ العرش، وهذه التأويلات مما قضَينا بإبطالها، فكيفَ يَتوجَّهُ مع هذا أن يُقال: ليس للمتكلمين تأويل يخالفون به أهلَ الحديث؟

ونحن لم نَقُل: إن كلَّ تأويلٍ باطل، حتى يُنقَض علينا بصورةٍ، بل قلنا: كلُّ تأويلٍ للمتكلمين يخالفهم فيه أهلُ الحديث فهو باطلٌ.

ومعلوم أن هذا تكفِي فيه صورة واحدة، وهذه صورة قد سلمتُموها وحكيتُموها.

وهَبْ أنهم أجمعوا على تأويلها -وإن كنَّا سنتكلَّم على هذا إن شاء الله- لكن مضمون هذه العبارةِ أن التأويل الذي أثبتَه المتكلمون ونَفَاه أهلُ الحديث باطل.


(١) إكمال المعلم (٢/ ٤٦٥).