للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معتمدين -زعموا- على ما أوجبَه ذلك القياسُ العقلي. وبإحْكَامِ دلالاتِ الوحي والقياس يَبِيْنُ الحقُّ من الباطل.

ولستُ أعني بالقياسِ هنا مجردَ قياس التمثيل الذي هو تشبيه أمر معين بأمر معين إما بجامع وإما بغير جامع، وإن كان كثيرٌ من فقهائنا يزعم أن هذا هو القياس، وأن ما سواه قياسٌ مجازًا؛ ولا مجرد قياس التأصيل الذي هو إدراج الخاص [تحت] العام، كقولنا: كل مسكرٍ خمرٌ، وكل خمرٍ حرام، وإن كان طائفة من متكلمينا وفقهائنا يزعم أن هذا هو القياس، وأن ما سواه باطل. بل أعني به ما هو أعمُّ من ذلك على ما تقتضيه اللغة، فإن جميع هذا قياس. وتسميةُ الأول قياسًا ظاهر، إذ القياس تقدير الشيء بنظيرِه، كما يقال: قِستُ الجراحةَ بالميلِ، وقستُ الأرضَ أو الثوب بالذراع. وأما الثاني فلأن الخاصَّ إذا أدرجتَه تحتَ المعنى العام فلا بدَّ أن يقوم في ذهنك عام مطابق لتلك الأعيان الموجودة وأنتَ تطلبُ مماثلةَ تلك الأعيان الموجودة بذلك المثال المعلوم القائم في قلبك الذي هو مقياس تلك الأعيان، وهو عام باعتبار شموله لكل منها.

وهذا العلم هو من لوازم الإنسان وبه [تُدْرَكُ] العلوم العامة الكلية، فإذًا لا يمكنك هذا القياس إلاّ بهذا العلم العام الكلي، والشأن كل الشأن في حصول هذا العلم الكلي العام، فإن المعلوم إذا لم يكن له نظائر يرتسمُ بمعرفة الواحد منها مثالٌ في الذهن يُوزَن به سائرُها، ولا كانت حقيقتُه مما يمكن أن تتعدد، حتى يأخذها العقل كليةً، وإن لم تكن في الوجود متعددة، بل كانت حقيقتُه لا متعددة ولا قابلة للتعدد، بل هو الأحد الذي لا أحد غيره، كيف يمكن أن يُعلَم