للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والرُّهبان، فكيف لا يُنقَل إيمانُ الخضرِ وجهادُه معه لو كان قد وقعَ؟

وقولُ من قال: "الخضر كان حيًّا في حياته" بمنزلةِ قولِ من يقولُ: "يُوشَع بن نُون كان حيًّا أو بعضُ أنبياءِ بني إسرائيل كإلياسَ"، وهذا باطلٌ لمقدمتين:

إحداهما: لو كانَ حيًّا لوجبَ عليه أن يُؤمنَ به ويُهاجِرَ إليه ويُجاهِدَ معه.

والثانية: أنَّ ذلك لو وقعَ لتوفَّرتِ الدواعيْ والهِمَمُ على نقلِه.

وإذا كانَ هارونُ ونحوُه تبعًا لموسى، وكان أنبياءُ بني إسرائيلَ تبعًا لموسى، فكيفَ لا يكون الخضرُ ونحوُه إنْ قُدِّرَ نبوتُه تبعًا لمحمدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الذي ما خَلَقَ الله خلقًا أكرمَ عليه منه، وما تَلَقَّوه عن الله بواسطةِ محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضلُ مما تَلَقَّوه بغيرِ واسطةِ موسى.

وأيضًا فإنَ النبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أخبرَ بنزولِ المسيح ابنِ مريمَ آخرَ الزمانِ، وذكرَ أنه يَحكُمُ فينا بكتاب الله وسنة رسوله (١)، والمسيحُ أفضلُ من الخضرِ، فلو كان الخضرُ حَيًّا لكان يكونُ مع محمدٍ ومع المسيحِ ابنِ مريمَ. وقول بعضِ الناس (٢): "إن الرجلَ الذي يقتلُه الدَّجَّالُ هو الخضرُ" لا أصلَ له.


(١) أحاديث نزول المسيح متواترة، وقد جمعها السيوطي وغيره.
(٢) قال معمر: بلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ثم يحييه. انظر مصنف عبد الرزاق (٢٠٨٢٤). وقال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان راوِي صحيح مسلم: يقال إن هذا الرجل هو الخضر. انظر صحيح مسلم (٢٩٣٨). وليس في مثل هذا البلاغ حجة، ولا مستندَ لهذا القول.