للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُحِبُّه" (١). وإن كان أميرُ المؤمنين هو أولى بالحق ممن قاتلَه في جميع حروبِه.

ولا يستوي القَتلَى الذين صلَّى عليهم وسمَّاهم "إخواننا"، والقتلَى الذين لم يُصَلِّ عليهم، بل قيل له: مَن (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤)) (٢)؟ فقال: هم أهلُ حَرُورَاءَ.

فهذا الفرق بين أهل حروراء وبين غيرِهم الذي سمَّاه أميرُ المؤمنين في خلافته بقوله وفعلِه موافقًا فيه لكتاب الله وسنةِ نبيِّه-: هو الصواب الذي لا مَعدِلَ عنه لمن هُدِيَ رُشْدَه، وإن كان كثيرٌ من علماء السلف والخلف لا يهتدون لهذا الفرقان، بل يجعلون السيرةَ في الجميع واحدةً، فإمّا أن يُقصِّروا بالخوارج عمَّا يَستحِقُّونه من البُغْضِ واللَّعنةِ والعقوبةِ والقتلِ، وإمَّا أن يَزِيدوا على غيرِهم ما يَستحقُّونَه من ذلك.

وسببُ ذلك قلَّةُ العلم والفهم لكتاب الله وسنةِ رسوله الثابتةِ عنه، وسيرةِ خلفائِه الراشدين المهديين، وإلاّ فمن استهدى الله واستعانَه بحثَ عن ذلك، وطلبَ الصحيحَ من المنقول، وتدبَّر كتابَ الله وسنةَ نبيِّه وسنةَ خلفائِه، لاسيَّما سيرةَ أمير المؤمنين الهادي المهدي، التي جرى فيها ما اشتبهَ على خلقٍ كثيرٍ فضَلُّو بسبب ذلك، إمَّا غُلُوًّا فيه وإمَّا جَفَاءً عنه، كما رُوِي عنه أنه قال: "يَهلِكُ فِيَّ رجلانِ: محبٌ غَالٍ يُقَرِّظُني بما ليسَ فيَّ، ومُبغِضٌ قَالٍ يَرمِيْني بما نزَّهَني اللهُ منه" (٣).


(١) أخرجه البخاري (٣٧٤٩) ومسلم (٢٤٢٢) عن البراء بن عازب، وأخرجه البخاري (٢١٢٢، ٥٨٨٤) ومسلم (٢٤٢١) عن أبي هريرة.
(٢) سورة الكهف: ١٠٤.
(٣) أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (٩٨٤)، وحسَّنه الألباني.