فقد تبين أن مَن عبدَ المخلوقات عبادةَ العبد لربه الذي يسأله ويرغب إليه في تحصيل ماَربه، أو عبادتَه لإلهه الذي هو مع ذلك يعبده لذاته ويحبه لذاته، كان ذلك موجبًا لفساده. والمعبود إذا رضي أيضًا بذلك لزم أيضًا فساده، بمنزلة من جعل المعدوم مقصودًا لذاته، فإن الحركة الإرادية تطلب مرادًا يكون به صلاح المريد ونفعه، فإذا لم يكن فيه لزم الفساد، وإن وجد في ذلك لذة فإنه يَستعقبه ألمًا وضررًا، بمنزلة من أكل ما يظنه عسلاً وكان فيه حلاوة، وكان سمًّا، فإنه يهلكه ويقتله.
فقد تبين بالقياس العقلي امتناعُ أن يكون معبودٌ إلا الله، كما امتنع أن يكون رب إلا الله، وهذا قصد بقوله:(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)(١) قصد نفي إله سواه. ولهذا قيل:(لَفَسَدَتَا) وهذا يتضمنُ نَفْيَ رب غيره.
والمتكلمون قَصَّروا في معنى الآية من وجهين:
أحدهما: من جهة ظنهم أنه إنما معناها نفي تعدُّدِ الأرباب فقط، كما أقاموا هم الدليل على ذلك.
والثاني: ظنهم أن دليل ذلك هو ما ذكروه من التمانع، وليس كذلك، فإن التمانع يوجب عدم الفعل، والتقدير أن الفعل قد وُجد، ثم الاشتراك في الفعل يوجب العجز فيهما، والقرآن إنما أَخبر بفسادهما، لم يخبر بعدمهما، والفساد يكون عن الإرادات الفاسدة،