مطلوبًا لذاته، فالحادث مطلقًا لا يجوز أن يكون هو العلة الغائية، وإن كان يحدث ما يتعلق بها مما هو مقصود الفاعل، بل العلة الغائية يجب أن تكون متقدمة، وإن كان ما يقصد بالفعل لها يكون بعد الفعل، لكن لا بد من مقصود مراد متقدم بالذات على الفعل، وذلك لأن العلة الغائية هي علة ماهيتها وحقيقتها لفاعلية العلة الفاعلية، فإنما صار الفعل فاعلاً لأجلها، والعلة يجب تقديمها على المفعول.
فإن قيل: الفاعل فعلها ويتصورها، فهي متقدمة في ذلك على الفعل، وإن كانت في الوجود تتأخر عن الفعل.
قيل: هذا يكون في المقصود من الغاية لا في ذاتها، وهذا كما أن الإنسان يحب المحبوب مثلاً، فيقصد الاتصال به، كما يحب المرأة فيريد مباشرتها، فالذات المحبوبة هي الغاية متقدمة على الفعل، وأما المقصود منها كلذة المباشرة فهي تتأخر عن الفعل، وليس إذا كانت اللذة الحادثة للفاعل حادثةً بعد فعله يجب أن تكون نفس الغاية حادثة، كما أن فعل العلة الفاعلية إذا كان حادثًا لم يجب أن تكون هي حادثة.
يُبيِّن هذا أن العلة الغائية إذا كانت سابقة في العلم والتصوير والقصد والإرادة، فلا بد أن يكون لها حقيقة يجب أن تراد لأجلها، إذ العدم المحض لا يتصور هذا فيه، ولا يجوز أن يكون إنما صارت مطلوبة لإرادة الفاعل، لأن هذا يستلزم الدور، فإنه إنما أرادها لأنها تستحق أن تُراد، فعُلِم أنه لا بد من ثبوت حقيقة موجودة قبل الفعل تكون هي التي يُفعَل الفعلُ لأجلها، وتكون مرادة لذاتها، واللذة تحصل عقيب الفعل.