ولهذا كان الإنسان إذا أحسن إلى غيره، فإما أن يقصد به معاوضته، فيكون العوض هو المقصود الأول، وإما أن يقصد به غير ذلك، إما طلب عوض من غير ذلك الشخص، وإما لما في قلبه من الرحمة والرّقة، فيقصد بذلك تسكين قلبه ولذة نفسه بالإحسان إليه، وزوال الألم عن نفسه، كما يقصد ما هو نحو ذلك، وإما أن يقصد به التقرب إلى الله.
والإنسان في لذته مثل ما هو في إرادته وشهوته، فإن هذا سبب، وهذا غاية، لكن تقدم أن اللذات المنصرمة لا يجوز أن تكون هي المقصود لذاته، فكل ما يقصده الإنسان بالإحسان إلى غيره هو أمر منصرمٌ إلا إرادة وجه الله، فإن لم يقصد ذلك أو يقصد ما يستعين به على ذلك حتى يكون مقصودًا لذلك، كان من الأعمال الباطلة الفاسدة، كما تقدم.
ومما يبين أن المخلوق لا يكون مقصودا بالقصد الأول لذاته لا لنفسه ولا لغيره ولا لفاعله، كما لا يكون فاعلاً مستقلاًّ لا لنفسه ولا لغيره ولا لمعبوده الذي هو مقصوده= أن نفسه أقرب إلى نفسه من غيره إلى نفسه، فلو كان يستحق أن يكون محبوبًا لذاته مرادًا لذاته لكانت ذاتُه أحقَّ بأن تكون هي المحبة المريدة له، لأنها أقرب وأعلم، فلما تبرهنَ امتناعُ ذلك فيه كان في غيره أعظمَ امتناعًا.
وقد تبين لنا أيضًا أنه كما أن الحادث المنصرم لا يجوز أن يكون