للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشهادة والجنة، فالمؤمن المجاهد إن حَيِيَ [حَيِيَ] حياة طيبة، وإن قُتِلَ فما عند الله خير للأبرار.

وأيضًا فإن الله قال في كتابه: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ) (١). وقال في كتابه: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩)) (٢). فنهى المؤمنين أن يقولوا للشهيد إنه ميت. قال العلماء: وخُصَّ الشهيد بذلك؛ لئلا يظن الإنسان أن الشهيد يموت فَيَفِرّ عن الجهاد خوفًا من الموت. وأخبر الله أنه حيّ مَرْزُوق؛ وهذا الوصف يوجَدُ أيضًا لغير الشهيد من النبيين والصدِّيقين وغيرهم، لكن خُصَّ الشهيد بالنهي لئلا يَنْكُل عن الجهاد لفرار النُّفُوس من الموت.

فإذا كان هو سبحانه قد نهى عن تسميته ميِّتًا واعتقاده ميتًا؛ لئلا يكون ذلك مُنَفِّرًا عن الجهاد فكيف يسمى الشهادة تهلكة؟ واسمُ الهلاك أعظم تنفيرًا من اسم الموت. فمن قال: قوله (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) يُراد به الشهادة في سبيل الله، فقد افترى على الله بهتانًا عظيمًا.

وهذا الذي يقاتل العدو مع غلبة ظنِّه أنه يُقتل قسمان:

أحدهما: أن يكون هو الطالب للعدو. فهذا الذي ذكرناه.

والثاني: أن يكون العدو قد طلبه، وقتاله قتال اضطرار. فهذا أولى وأوكد. ويكون قتال هذا إمَّا دفعًا عن نفسه وماله وأهله ودينه،


(١) سورة البقرة: ١٥٤.
(٢) سورة آل عمران: ١٦٩.