ومن ذلك أن الإرادة والرحمة والصلاة على الشيء من جنس المحبة، والكراهة والغضب واللعنة من جنس البغض. وكذلك الحسد ــ الذي هو كراهة النعمة وتمنِّي زوالِها ــ من جنس البغض، يخالف الغبطةَ التي قد تُسمَّى حسدًا، وهي محبةٌ لمثل نعمةِ الغير، فإنها من جنس المحبة، ولهذا حُرِّم الأول دون الثاني، وشُرِعَ الثاني في العلم والمال المُنْفَقَينِ في سبيل الله.
ومن ذلك أن المغفرة ودفع المكروه والرحمة فعلٌ لمحبوب، ومن ذلك أن الموالاة والمصادقة والمؤانسة والمعاشرة ونحو ذلك هي من توابع المحبة، والمعاداة والمجانبة والمواحشة والمهاجرة هي من توابع البغض. ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أحبَّ لله وأبغض لله وأعطى لله ومنعَ لله فقد استكمل الإيمان"(١)؛ لأن هاتين القوتين في القلب الذي هو يملك الحسد والعطاء والمنع في المال، فإذا كان جميع الأفعال في النفس والمال لله صار العبد كلُّه لله، وذلك هو كمال الإيمان.
واعلم أن المقصود بالقصد الأول هو فعل المحبوب، وهو عبادة
(١) أخرجه أبو داود (٤٦٨١) عن أبي أمامة الباهلي، وإسناده حسن. وأخرجه أحمد (٣/ ٤٣٨، ٤٤٠) والترمذي (٢٥٢١) عن معاذ الجهني، وقال الترمذي: حديث حسن.