والحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية وغيرهم. ثم اختلف هؤلاء فيما إذا أرادَ الله أن يُفنِيَ شيئًا ويُعدِمَه:
فقال البصريون من المعتزلة: يُحدِثُ فَناءً لا في محلٍّ، فيَفنَى به.
كما يقولون في الإيجاد: إنه أَحدثَ لا في محلٍّ، فَحَدَثَ به.
وهذا عند العقلاء معلوم الفساد بالضرورة والنظر من وجوهٍ كثيرة، كما ذلك معلوم الفساد في الإرادة، فإنّ قيامَ الصفات بغير محلٍّ وحدوثَ شيء بلا إرادةٍ ومنافاةَ شيء سمَّوه الفناءَ لجميع الكائنات= كل هذا مما يُعلَم فسادُه عند تصوُّرِ حقيقته.
وقال كثير من متكلمة الإثبات من الأشعرية والحنبلية: عدمُه وفناؤُه بأن لا يُحدِث سببَ بقائِه، إمّا أن لا يُحدِث البقاءَ عند من يقول منهم: إن الباقي باقٍ ببقاءٍ، وإمّا أن لا يُحدِثَ الأعراضَ عند من يقول منهم: إن العَرَضَ لا يَبقَى زمانَيْنِ. فإن هؤلاء يقولون: إنما بقاءُ الأعيان التي هي الجواهر بما يُحدِثُه له من الأعراض، أو بما يُحدِثُه من البقاء، فإذا انتفَى شرطُ بقائها انتفَتْ وعُدِمَتْ، وانتفاءُ شرطِ البقاءِ يكفي فيه أنه لا يفعله ولا يُريدُه.
وحقيقة قولهم أن العدمَ الطارئَ المتجددَ بمنزلةِ العدم الدائمِ المستمرّ، يكفي فيه عدمُ الإرادةِ للإيجادِ والإبقاءِ وعدمُ إيجادِه وإبقائِه. فالمعتزلة قالوا: يُفنِي الأشياءَ ويُعدِمُها بإحداثِ ضِد يُنافيها هو الفناءُ، وهؤلاء يقولون بفَواتِ شَرْطِها ومقتضاها، فالنزاع بينهم هل الإعدامُ والإفناءُ لإيجادِ مانع أو لعدمِ شرطٍ، وكلُّهم فَرُّوا من كون نفس المعدوم مفعولاً بنفسِه أو مرًادًا بنفسِه.