للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ)، فالظرفُ مذكورٌ بعدَ جملةٍ لا بعدَ مفردٍ، فهو متعلق بما في اسم "الله" من معنى الفعل، هو الله في السماوات: أي المعبود الإله في السماوات، والإله المعبود في الأرض، كقوله: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ)، بخلاف قوله: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) (١) وقوله: (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا) (٢)، فإنه لم يذكر ما يتعلق به قوله "في السماء" غير نفسِه.

وكذلك الأثر الذي يُروَى عن ابن عباس أنه قال: "الحجر الأسودُ يمينُ اللهِ في الأرض، فمن صافحَه واستلَمه فكأنما صافحَ اللهَ وقَبَّلَ يمينَه" (٣)، فمن قال: إن هذا يحتاج إلى تأويل فقد أخطأ، فإنه ليس ظاهر هذا أن الحجر هو صفةُ الله، فإنه قال: "يمين الله في الأرض"، فقيَّده بكونه "في الأرض"، وهذا بيَّن أنه ليس هو صفةَ اللهِ. ثم قال: "فمن صافحَه وقَبَّلَه فكأنما صافحَ الله وقَبَّل يمينَه"، والمشبَّه غيرُ المشبَّه به، فقد صرَّح بأن المستلم له لم يصافحِ الله، وإنما هو مشبَّهٌ بذلك.

الوجه الثالث أن يقال: إخبارُ الله في القرآن أنه مع عبادِه جاءَ عامًّا وخاصًّا، فالعام كقوله: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧)) (٤)، وقال: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى


(١) سورة الملك: ١٦.
(٢) سورة الملك: ١٧.
(٣) سبق تخريجه. وتكلم عليه المؤلف في "مجموع الفتاوى" (٦/ ٣٩٧ وما بعدها).
(٤) سورة المجادلة: ٧.