فهذا تفسيرُه للحنيف بعدَ أن حُوِّلَتِ القبلةُ إلى الكعبة وأُمِرَ الناسُ باستقبالِها وبعدَ أن فُرِضَ الحجُّ، وإلاّ فقد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن اتبعَه وهم بمكة حنفاءَ وهم يُصلُّون إلى بيت المقدس لما كانوا مأمورين بذلك، وإنما أُمِرُوا باستقبالِها بالمدينة في السنة الثانية من الهجرة. وكذلك موسى ومن اتبعَه والمسيحُ ومن اتبعَه كانوا حُنَفَاءَ أيضًا، وكانوا يصلون إلى بيت المقدس.
وروى ابن أبي حاتم (١) وغيرُه من التفسير الثابت عن قتادة تفسير ابن أبي عَرُوبةَ عنه قال: الحنيفية شهادةُ أن لا إله إلا الله، يدخلُ فيها تحريمُ الأمهاتِ والبناتِ والأخواتِ والعماتِ والخالاتِ وما حَرَّمَ الله والختانُ، وكانت حنيفية في الشرك، وكانوا يُحرِّمون في شركِهم الأمهاتِ وما تقدَّم من القرابات، وكانوا يحجون البيتَ وينسكون المناسكَ.
فذكرَ قتادةُ أنها التوحيدُ واتباعُ ملَّةِ إبراهيم بتحريم ما حرَّم الله والخِتان، وأنهم في شِركِهم كانوا ينتحلونَ الحنيفيةَ، فيُحرِّمون ذواتِ المحارمِ ويحجُّون ويَختَتِنونَ، وهذا مما تَمسَّكوا به من دينِ إبراهيم مع شِركِهم الذي فارقوا به أصلَ الحنيفية، لكن كانوا ينتحلونها.
وكان هذا فارقًا بينهم وبين المجوسِ ومن لا يُحرم ذواتِ المحارم، وبين النصارى ومن لا يرى الخِتانَ، وبين سائر أهل الملل ممن لا يرى حجَّ البيت. فإن الحج كان من الحنيفية، لكن كان من مستحباتها