للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آخر. والمظاهر تحرمُ عليه إلى أن يكفر، فاثبت موجب الظهار تعزيرًا لمن استحقَّ التعزير بالهجرة. وعاقبَ المتلاعنينِ بتحريم كل منهما على الآخر، وهذا أبلغ من موجب الطلاق. فإذا كان قد عاقبَ بتحريمٍ أخفَّ من موجب الطلاق وبتحريمٍ أبلغَ من موجب الطلاق، وجعلَ الثاني شرعا مطلقًا، وجعلَ الأوَّلَ تعزيزًا يسوغ أن يفعله الأئمةُ بمن أذنب مثل ذلك الذنب -: لم يمتنع أن يكون أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - مع كمال علمه ونُصحِه للأمة - رأى أن يُعاقِبَ المستكثرين مما نَهى الله عنه، الذين لم يرتدعوا بمجرد نهي الشارع، بما هو من جنس العقوبات المشروعة. وقد كان أحيانًا يَهُمُّ بنهيهم عن أشياءَ وعقوبتهم بالمنع، ثم يتبين له الصواب في ذلك، كما همَّ أن يمنعهم من الزيادةِ في قدرِ الصَّداق على ما فعلَه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأزواجِه وبناتِه، ويجعل فِعلَه شرعًا لازمًا لهم لا يزدادون عليه، وأن يعاقب من جاوزَ فِعلَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بجَعْلِ الزيادة في بيت المال، حتّى تبيَّنَ له أن ذلك مما أباحه الله لهم، فلا يُمنَعون منه ولا يُعاقَبون عليه.

وإلاّ فهل يَظنُّ من يؤمن بالله واليوم الآخر ويَعرِف حالَ السابقين الأولين أن عمر بن الخطاب أو غيره من الخلفاء الراشدين كان يَعمِد إلى نَسْخِ شرع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وأن المسلمين يُقِرونه على ذلك مع علمه وعلمهم بأن هذا نسخ لشرعِه! نعم، الأمور الاجتهادية التي يفعلها أحد الخلفاء تارة يوافقُه عليها جماعتهُم، وتارة يوافقه عليها بعضُهم وينكرها بعضُهم إنكارَ مجتهدٍ على مجتهدٍ، كما أنكر عمران بن حصين وغيره على عمر ما قاله في متعة الحج (١)، مع أنه قد ثبت عن عمر أنه لم يُحرِّمها، وأنه كان له فيها اجتهادٌ متنوع.


(١) أخرجه البخاري (١٥٧١) ومسلم (١٢٢٦) عن عمران بن حصين.