للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ثم قال:) وعدمُ إيمانه بموسى إنما كان لأنَّ موسى لم يُبعَثْ إليه، كما في الحديث الصحيح (١): إنَّ موسى لمّا سلَّم عليه قال له: وأنَّى بأرضِك السلامُ؟ فقال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيلَ؟ قال: نعم. وقال في أثنائِه: يا موسى إني على علمٍ علَّمنِيْه الله لا تَعلَمه، وأنتَ على علم من علمِ الله عَلَّمَكَه الله لا أَعْلَمه.

وأما محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدعوتُه عامةٌ لجميع الخلقِ أَسْودِهم وأَحْمرِهم، فلا يُمكِنُ الخضرَ وغيرَه أن يُعامِلَ محمَدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويُخاطِبَه كما عاملَ موسى وخاطبَه، بل على كلِّ من أدركَ مبعثَه أن يُؤمِنَ به ويُجاهِدَ معَه، ولا يَستغنِيَ بما عنده عما عنده. وكلُّ مَن جَوَّزَ لأحد ممن أدركَتْه دعوةُ الرسولِ أن يكونَ مع محمدٍ كما كان الخضرُ مع موسى= فهو ضَالّ ضلَالاً مُبِيْنًا، بل هو كافرٌ يُستَتابُ، فإن تابَ وإلاّ قُتِلَ.

ولهذا لم يكن في العلم بحياةِ الخضرِ بتقديرِ صحتِها ولا في وجودِه حيًّا مَنفعة للمسلمين، ولا فائدة لهم في ذلك، فإنه في المسند والنسائي عن جابرٍ (٢) أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى بيدِ عمر بن الخطاب ورقةً من التوراةِ، فقال: "أَمُتَهَوكَونَ يا ابنَ الخطّاب؟ لقد جِئتكُم بها بَيضاءَ نقيَّة، لو كان موسى حيًّا لَما وَسِعَه إلاّ اتباعِيْ".

فإذا كانَ هذا حالَ الأمةِ مع موسى فكيفَ مع الخضرِ وأمثالِه؟


(١) أخرجه البخاري (٣٤٠١) ومسلم (٢٣٨٠) عن أبي بن كعب.
(٢) أخرجه أحمد (٣/ ٣٨٧) والدارمي (٤٤١). وفي إسناده مجالد ضعيف.
ومع ذلك صححه ابن كثير في "البداية والنهاية" (١/ ٤٥٨). وقد حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (١٥٨٩) لشواهده.