للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن الاحتمالِ الراجح إلى الاحتمالِ المرجوح. وصارَ مِن هؤلاء مَن يقول: هذه الألفاظ تُجرَى على ظاهرِها، ولا يَعلَم تأويلَه إلاّ الله، فيَجمعُ بين النقيضَيْنِ.

ولم يَعلَموا أنَّ لفظَ "التأويلِ" بحسبِ تعدُّدِ الاصطلاحات صارَ مشتركًا في ثلاثة معانٍ:

معناه في القرآن هو ما يَؤُوْلُ إليه الكلامُ وإنْ وافقَ ظاهرَه، كقوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) (١). وهذا التأويل لا يَعلمه إلاّ الله، كوقتِ الساعة.

ويُرادُ بالتأويل نفسُ الكلام وما قُصِدَ إفْهامُ الناسِ إيَّاهُ، وهذا التأويل يعلمه الراسخون في العلم. ولا يجوز أن يُنزِل اللهُ كتابا يأمر بتدبُّرِه وعَقْلِه، وقد فسَّرهُ النبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابُه كُلَّه للمسلمين، ويكون فيه ما لا يَعلَمُ تفسيرَه لا النبيُّ ولا أحد من أمته.

ويُرادُ بالتأويل تحريفُ الكلمِ عن مواضعِه، وتفسيرُ الكلامِ بغيرِ مرادِ المتكلِّم، كتحريفِ أهلِ الكتاب لِمَا حَرَّفوه من الكتاب، وتحريفِ الملاحدةِ وأهلِ الأهواء لِما حَرَّفوه من معاني هذا الكتاب. وهذا تأويلٌ باطلٌ يَعلَم اللهُ أنه باطلٌ، لا أنه يَعلَم أنه حقّ، كما قال تعالى: (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ) (٢). فإنه سبحانَه


(١) سورة الأعراف: ٥٣.
(٢) سورة يونس: ١٨.