والفرق بين البغي بلا قتال والبغي في القتال واضح، وعلى هذا فإذا قيل: كان مأمورًا بالقتال بعد البغي فيه أمكن ذلك، ولكن تلك الحالَ عَصَتِ الطائفة العراقية فنَكَلَتْ عن القتال، فحالَ القتالِ لم يكن أمر، وحالَ الأمر لم تكن طاعةُ الأمر، وذلك يُستدل به على حكم الشارع في نحو ذلك، نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والمقصود هنا أن عواقب الأفعال وغايتها تُبيِّن ما كان منها محمودًا وأحمدَ، فمن وُفِّق لذلك في الابتداء فليحمد الله، وإلا فعليه بالتوبة والاستغفار، فإن الله يقول:(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣)) (١)، وهذا يستقيم لمن لم يتبع هواه، فقد تقدم بالبرهان العقلي المعلوم من الآيات المرئية في الأنفس والَافاق ما يوافق ما شهد الله به في كتابه، أن اتباعَ الهوى بغير هدًى من الله ضلال عمّا ينفع العبد، وسُمِّي ضلالاً لأن متبع هواه إنما يقصد لذته بنيل ما يهواه، لكن ينبغي أن يعرف أن لذته ومنفعته ليست في نيل ما يهواه، إلا أن يكون بهُدًى من الله، وهو ما أمر به أو أباحه، دون ما نهى عنه وحظره، فإذا خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى.
والأهواء في الدين والآراء والاعتقادات والأذواق والعبادات أعظم من الأهواء في الدنيا. وأكثر ما ذُكِر في القرآن من ذم اتباع