للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأهواء يتعلق بالقسم الأول، وإن كان أيضًا يتناول القسم الثاني، كما قال الله تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ... ) (١).

وإذا تبين ذلك عُلِمَ أن الإرادة لا بد أن يكون لها مقصودٌ لذاته، خارج عن اللذة المنقضية، إذ اللذة المنقضية لا يجوز أن تكون مقصودةً لذاتها، كما لا يجوز أن يكون القصد الحادث حادثًا بذاته، كما تقدم من أن ما يُعقِبُه عدمٌ لا يجوز أن يحدث بذاته، ومن المعلوم أن كل مقصود فإما أن يُقصَد لنفسه أو لغيره، وعلى التقديرين يلزم وجود الموجود بنفسه، وذلك أنه إذا قصد المقصود لغيره، فذلك الغير إما أن يكون مقصودًا لنفسه، فثبت المقصود لنفسه، وإما أن يكون مقصودًا لغيره، فإن كان الغير هو الأول لزم الدور، وهو أن يكون هذا مقصوذا لأجل هذا، وهذا مقصودًا لأجل هذا، وقد تقدم بيان استحالة أن يكون كل شيء من الشيئين علة للآخر علة فاعلية أو غائية. وإن كان غير الأول لزم أن يكون لذلك المقصود مقصودٌ، ولذلك المقصود مقصودٌ، ويلزم تسلسل العلل الغائية. ومن المعلوم أن المقصود يتقدم في العلم والقصد، فيلزم أن يجتمع في علم الإنسان وقصده مقصودٌ لا يتناهى في آنٍ واحد.

وأيضا فالمقصود يتعقب الفعل الذي هو السبب التام، ثم المقصود يتعقب الآخر، كما أن السبب التام يتعقبه المسبب، فيلزم


(١) سورة ص: ٢٦.