للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا فقوله: "وفيٌ باطن ووليٌّ ظاهر" إن أُرِيدَ به وليٌ يعرفه الناس ويظهر لهم ولايتُه، ووليٌ لا يَظهر لهم، فمن المعلوم أن الناس لا يظهر لهم ولايةُ مائة ألف ولا عشرة ألف (١)، ولا يُشهَد بالولاية إلاّ لمن ثبتَ أنه ولي، إما بنصّ أو بما يقوم مقامَه. وإن كان لا يُشْهَد بنَفْيِها، لكن نحن نعلم قطعًا أنه لا يظهر ولاية هذا العدد للناس.

وإن أريد بظهوره وجودُه بين الناس وعلمُهم به، فعامَّة الأولياء ظاهرون بهذا الاعتبار، بل ليس من الأولياء من لم يَرَهُ الناس، وإذا قُدر أن فيهم من يَختفِي عن الناس كثيرًا من أوقاته أو أكثرها، فلا بد أن يظهر لبعضهم في بعض الأوقات، ولو أنه ظهرَ/لأبويه ومَن ربَّاه إذا كان صغيرًا. ثم هؤلاء في غاية القلة، وهم من أضعف الأولياء ولاية، بل القرون الفاضلة كان وجود هؤلاء فيها نادرًا أو معدومًا، فإن سكنى البوادي والجبال والغِيْران واعتزال المسلمين من جُمَعِهم وجماعتهم إما أن يكون منهما عنه، وإما أن يكون صاحبُه إذا عُذِر عاجزًا منقوصًا.

وأيضا فقول القائل "إنّ الوليّ على قدم النبي" لا يجوز أن يريد به اتباعَ شريعته، فإن بعد مبعث محمد لا يتقبل الله من أحد إلاّ شريعته، ولو كان موسى حيًّا ثم اتبعه متبعٌ وترك شريعةَ محمد كان ضالاً (٢)، فلم يبق إلاّ موافقته في بعض أخلاقه وأحواله، كما شبه


(١) كذا في الأصل "ألف" بدل "آلاف".
(٢) كما في الحديث الذي أخرجه أحمد في "مسنده" (٣/ ٣٣٨، ٣٨٧) =