من تأخير الإيفاء، وذلك واجب فيه في أحد قولي العلماء، ولو أجَّله بأجلٍ، كمذهب مالك وقول في مذهب أحمد.
ومن قال: إن له المطالبة في الحال ولا يتأجّل، قالوا: لأن هذا تبرع، والتبرع لا يلزم بالعقد، كما قالوا مثل ذلك في الهبة والعارية. وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين. وأما أهل المدينة فعندهم يلزم بالعقد، وعليه تدل نصوص الكتاب والسنة.
فالقرض من أقوى الحجج على أنه إذا اجتمع ربا الفضل والنَّساء في جنس واحدٍ حرم، وإن لم يكن مما يجري فيه ربا الفضل وحده. وهذه حجة لمالك وأحمد في إحدى الروايتين، وهو حجة على الشافعي وأحمد في رواية؛ إذ كانوا يجوزون بيعَ غير الربوي كالموزون غير النقدين بجنسه متفاضلًا، ويحرِّمون ذلك بلفظ القرض. وهؤلاء يجعلون الأحكام تختلف بمجرد اللفظ مع اتحاد المقصود، وهذا يقوله مَن يقوله مِن أصحاب الشافعي وبعض أصحاب أحمد، يقولون هذا في مواضع، كما جوَّز القاضي أبو يعلى وغيره السَّلَم الحال بلفظ البيع دون السَّلَم، وكما جوَّز أن يكون البذر من العامل إذا كان بلفظ الإجارة دون لفظ المزارعة. وأبو محمد المقدسي عكَسَ ذلك، فجوَّزه بلفظ المزارعة دون الإجارة، وأبو الخطاب جوَّزه بلفظهما، وهو الصواب، وعليه تدلُّ نصوصُ أحمد، فإنه جوَّز أن تُؤجَر الأرض بجزءٍ من الخارج منها، واحتجَّ على ذلك بمزارعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل خيبر. ولو كان الحكم يختلف باللفظ لم تصح هذه الحجة، وإنما تصح هذه