للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

ولهذا قال آخرون من المُتَسنِّنة: إن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، كما يقول العرب (١): "مَن أشبَه أباه فما ظلم " أي ما وضعَ الشَّبَهَ في غير موضعه. وهذا الحدُّ أسلمُ من الأول الذي تكلمنا عليه في الفصل قبله، لكن فيه إجمالٌ، فإنه يحتاج إلى بيان موضع الشيء، وهو يرجع إلى معرفة الحق، فكأنه قال: الظلم تركُ الحق. ولكن هذا الإجمال لا يمنع أن يكون كلامًا سديدًا، وأن هذا الأمر العام لا يُعبَّر عنه إلاّ بمثل هذه العبارة الجامعة، وأما التفصيل ففي كلّ موضعٍ بحسبه.

ولهذا كان الحدُّ الأول فيه هذا، وهو قوله في الفصل قبله: "إضرار غير مستحق"، فإن قول القائل: "إضرار غير مستحق " فيه من الإجمال نحو هذا، فلا بدَّ من معرفة المستحق، فيحتاج إلى بيان الحق والعدل المضادّ للظلم. فإذا كان كلٌّ من الحدَّين موقوفًا على معرفة الحق، وكان الأول هو الجامع للمعنيين، كان أَحكم، ولذلك قال بعضهم: الظلم نقص الحق أو النقص عن الواجب أو نحو ذلك، مستشهدين بقوله: (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا) (٢) أي لم تنقص منه شيئًا. وهذا وإن كان صحيحًا فظاهره إنما يتناول أحدَ نوعي الظلم، وهو ترك


(١) انظر: الحيوان (١/ ٣٣٢) وأمثال أبي عبيد (ص ١٤٥، ١٦٠) وفصل المقال (ص ١٨٥) وجمهرة الأمثال للعسكري (٢/ ٢٤٤) ومجمع الأمثال للميداني (٢/ ٣٠٠).
(٢) سورة الكهف: ٣٣.