للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والإنسان إنما يفعل السيئات القبيحة إما لجهله بقبحها، وإما لحبه الداعي له إلى ذلك، وهو يتضمن حاجته إلى ذلك، فإن المشتهي للشيء من مطعوم أو منكوح أو منظور أو غير ذلك يجد في قلبه فاقة إليه وحاجة إليه، فإذا لم يحصل له بقي في ألمٍ يؤذيه بحسب شهوته، فإذا استغنى بما يزيل عنه الشهوة والحاجة لم يبق عنده داع يدعوه إلى ذلك. ولهذا قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (١): "إذا أَعْجَبَتْ أحَدَكم امرأة فليأتِ أهلَه، فإن معها مثل ما معها". وفي الدعاء المأثور (٢): "اللهمَّ أَغْنِنَا بحلالِك عن حرامك، وبفضلِك عمَّن سواك".

والناس إذا وقعوا في البدع والمعاصي نقص عليهم إيمانهم، وإلا فمن كان عالمًا بالحق قاصدًا له أغناه ذلك عن أن يعتقد الباطل ويتبعه. ولهذا كانت الصحابة رضوان الله عليهم من أبعد الناس عن الذنوب والبدع، لاستغنائهم بالعلم والإيمان بالله [وما] تلقوه عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا تجد أحدًا وقع في بدعةٍ إلا لنَقْصِ اتباعِه للسنة علمًا وعملاً. وإلا فمن كان بها عالمًا، ولها متبعًا لم يكن عنده داع إلى البدعة، فإن البدعة يقع فيها الجُهَّال بالسنة، وكذلك الزنا والسرقة وشرب الخمر، إنما يزني من عنده شهوة يطلب قضاءها.

فأما من قضى شهوته بما هو أحب إليه وفَتَرَتْ، فلا يبقى عنده داعٍ، ومن أحبَّ طلب شيء آخر فشهوته لم تُقْضَ بل قُضِيَ بعضها،


(١) أخرجه مسلم (١٤٠٣) عن جابر.
(٢) أخرجه الترمذي (٣٥٦٣) وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند (١/ ١٥٣) عن علي. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.