فأما الحدّ بمعنى حقيقة الشيء التي هو بها يتميز عن غيره، فلا ريبَ بين المسلمين أن الله له حقيقة وذات؛ فذلك حدُّه الذي لا يعلمه غيرُه، كما جاء في الأثر:"يا من لا يعلم ما هو إلا [هو]، ولا يبلُغ قدرتَه غيرُه"(١).
وهل يقال: له ماهيةٌ لا يعلمها غيرُه، ولا تجرِي ماهيتُه في مقال؟ أو يقال: لا ماهيةَ له؟ على قولين لأصحابنا وغيرهم. والأول قولُ أكثرهم.
وأما الحدّ بمعنى القول، فله أسماء تُميِّزه عن غيره، وله حدودٌ بخواصِّه التي تُميِّزه عن [غيره]، كقولنا: رب العالمين، وخالق السماوات والأرض، والأول الآخر، والظاهر الباطن.
وأما الحدُّ المركب من الجنس والفصل فلا يجوز في حق الله تعالى.
فأما الأول فهو بمعنى انفصاله عن غيره وتميُّزه عنه، بحيث لا يختلط به. وهذا داخلٌ فيما قصده ابن المبارك وغيره، خلافًا للجهمية الذين يجعلونه مختلطًا بالمخلوقات. ولهذا قال: بائنٌ من خلقِه بحدٍّ؛ فإن الحدَّ هو الفصل والتمييز بينه وبين غيره. والحدّ بهذا المعنى متفق
(١) أخرجه ابن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة (ص ٣٤) عن إبراهيم بن خلاد الأزدي قال: نزل جبريل عليه السلام على يعقوب، فشكا إليه ما هو فيه، فعلَّمه هذا الدعاء.