للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهم هو عبادته، لم يُرِد منهم رزقًا ولا أن يطعموه، والرزق يَعُمُّ كلَّ ما ينتفع به الحيُّ ظاهرًا وباطنًا، فلم يُرِد منهم ما يريده السادةُ والمخلوقون من عُبَّادِهم، من جَلْب المنفعةِ إليهم التي هي الرزق.

وقال تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا) الاية (١) فأخبر تعالى أنهم علموا يومئذٍ أن الحق لله، وأن أولئك الشركاء الذين اتخذوهم من دون الله لم يكن لهم في ذلك الحقّ شي، بل كان دعواهم أن لهم حقا افتراءً افْتَرَوه، فضلَّ عنهم وقتَ الحقيقة ما افتَرَوه.

وفي الصحيحين (٢) عن معاذ بن جبل أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "هل تدري ما حقُّ اللهِ على العباد؟ "، قلت: الله ورسولُه أعلمُ، قال: "حقه عليهم أن يعبدوه ولا يُشرِكوا به شيئًا" وذكر الحديث.

ولهذا يكثر من ذكر الشرك والكفر وأنواعه في القرآن، ويخبر بأنه ظلم، وأنه من أعظم الظلم، كقوله: (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)) " (٣)، وقوله: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ) إلى قوله: (وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (٢٩)) (٤). وقد أخبر المسيح أن العبادة ليست بحق للمخلوق، وإنما هي حقّ للخالق تعالى، في قوله: (قَالَ سُبْحَانَكَ مَا


(١) سورة القصص: ٧٤، ٧٥.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) سورة البقرة: ٢٥٤.
(٤) سورة الفرقان: ٢٧.