للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد يقال: الوقفان كالقراءتين، وقد يقرأ في المكان الواحد بالنفي والإثبات باعتبارين، كقراءة من قرأ {لِتَزُولَ} و {لَتزولُ مِنْهُ الْجِبَالُ}، وكالتي فيها الخبر والأمر. وعلى هذا فيكون هنا تأويلان: فتأويل يعلمه الراسخون، وتأويل لا يعلمه إلا الله، وهذا فيه جمعٌ بين أقوال الصحابة والتابعين والأئمة رضي الله عنهم.

وقد تكلمنا على هذه الآية في غير هذا الموضع (١) وذكرنا أن معنى لفظ التأويل الذي جاء به القرآن غير معناه في عرف المتأخرين، وذكرنا الاصطلاحات فيه والفرق بينه وبين التفسير. وللإمام أحمد كتاب "الرد على الزنادقة والجهمية مما تأولت فيه من متشابه القرآن"، تكلم على الآيات كلِّها وبيَّن معناها، فمعنى الخطاب وتفسيره يعلمه العلماء، وهذا يُسمَّى تأويلاً، وأما الحقائق الموجودة في الخارج مما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر، كما قال: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الأعراف: ٥٣]، فتلك لا تُعلَم إلا بمشاهدتها ......... (٢) وليس لها في هذا العلم ما يناظرها من كل وجه، فلا يعلم حينئذٍ إلا من بعض الوجوه، فيجوز أن يكون لا يعلمه، قال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: ١٧]، وإن عُلِم أنها قرة أعين فإنها لا تُعلَم في الدنيا.


(١) انظر: مجموع الفتاوى (١٣/ ٢٧٢ وما بعدها). و (١٧/ ٣٩١ وما بعدها، ٤٠٦ وما بعدها).
(٢) هنا كلمات مطموسة.