للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنفيُ العلم من وجه وإثباته من وجهٍ حق، وعلى هذا فيصحُّ إثباتُ علم التأويل للراسخين من وجهٍ ونفيُه من وجهٍ، فيصح الوقفان (١).

وقال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: ١٠١]، ومعلوم أنه قد أعلمهم بنوعهم ووصفهم وأنهم من أهل المدينة والأعراب، لكن لا تعلم أعيانهم. وقال تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [الأنعام: ٥٠]، نفى قوله أنه يعلم الغيب المطلق، وإن كان الله قد أعلمه مما غاب عن غيره شيئًا كثيرًا. وقال تعالى: {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: ٢٦، ٢٧]، وكذلك قوله: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: ٦٥]، وقوله: {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: ١٤].

وقد قال يعقوب ليوسف: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف: ٦]، وقال: {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [يوسف: ٣٧] أي قبل أن يأتي التأويل، وقال أولئك: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ} [يوسف: ٤٤]، ومعلوم التأويل قبل مجيئه، وإنما علمه بالوصف


(١) بعدها كلمات مطموسة.