للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن لا يضرُّهم ذلك.

فإذا كان الظلم في حق المخلوق مما يتضرر به وما لا يتضرر به، وليس من شرطه إضرار المظلوم، ولا أن يكون مما يضرُّ المظلوم، أو يكون المظلوم ممن يتضرر به، فالظلم في حق الله تعالى أولى أن يكون كذلك، فإن الله لا يضرُّ العباد أو يظلمهم، وإنما العباد يتضررون بترك الحق الذي استحقه لذاته، ويتضرر العبد بتركه، فإنَّ تَرْكَ حقِّ من يحتاج إليه العبد يَضرُّ العبد، والعبدُ لا صلاحَ له ولا قيامَ إلاّ بعبادة الله الجامعة لمعرفته ومحبته والذلِّ له، فتفويتُه هذا ظلمٌ عظِيمٌ فيه عليه الضرر العظيم الذي لا ينجبر.

ويُشبِهه من بعض الوجوه من كان عنده ما يحتاج إليه من الطعام والشراب فأتلفَه، واعتاض عنه بما ظنَّ أنه يقوم مقامَه من العَذِرَةِ والبول، فهذا ظلمٌ في حقِّ القوت ضَرَّ صاحبَه، والمستحق إذا ظلمَ حقّه فقد فوّت ما هو بالنسبة إليه كمالٌ مطلوب له ومحبوبٌ من جهته، فإن الجامدات إذا تُرِكَ ما تَستحمه بقيت ناقصةً عن كمالها الذي لها، والإنسان إذا ظُلِمَ حقَّه وإن لم يَضُرَّه فلابدَّ أن يكون قد فُوِّتَ ما هو محبوبٌ له وصلاح له.

والله سبحانه يحبُّ ما أمر به من الحسنات ويرضاه، وهو سبحانه يفرح بتوبة عبده إذا تابَ إليه أعظمَ مما يَفرحُ مَن أضلَّ راحلتَه التي عليها طعامُه وشرابُه في مفازة مهلكةٍ ثم وجدَها، وهذا أمر عظيم حيث كانت محبته ورضاه بإيمان العبد وطاعتِه أعظمَ من محبة العبد الفاقد الواجدِ لما لا بُدَّ له منه ولا قِوامَ له إلاّ به من القُوتِ والشراب والمركب