كتاب جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم

(١٢) فصل في المواقيت والجمع بين الصلاتين - المسائل التي ظن بعض الناس أن السنة خالفت فيها ظاهر الكتاب، وليس الأمر كذلك - ج: 6 - ص: 325

مالك الكعبي (١)، وكذلك أخبر عنه أصحابه، كقول عمر بن الخطاب: "صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان تمامٌ غير قصر على لسانِ نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " (٢). وكذلك قال ابن عمر: "صلاة السفر ركعتان، من خالفَ السنةَ كفر" رواه مسلم وغيره (٣). ومعناه: من اعتقد أن الركعتين لا تُجزِئ فقد كفرَ، لأنه خالفَ السنة المعلومة، كما لو قال: إنّ الفجر لا تُجزئ فيه ركعتانِ، وإن الجمعة والعيد لا تُجزِئ فيه ركعتان. وهذا يُحكى عن بعض الخوارج الذين زعموا أنهم يتبعون ظاهرَ القرآن وإن خالفَتْه السنةُ المتواترة. وهؤلاء ضالُون في فهمهم للقرآن وضالُّون في مخالفة السنة.

وقوله: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٤) لم يذكر فيها أنه قصر للعدد، والصحابة عمر وغيره جعلوا صلاةَ المسافر ركعتين تمامًا غيرَ قصرٍ. وهذا قاله عمر بعد سؤالِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما ثبتَ في الصحيح (٥) عن يعلى بن أمية سأل عمرَ عن هذه الآية (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)، فقال عمر: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألتُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "صدقةٌ تصدَّقَ الله بها عليكم، فاقبلوا صدقتَه". فكأنّ المتعجب ظنَّ أن القصر

---

(١) أخرجه أحمد (٣/ ٣٤٧، ٥/ ٢٩) وأبو داود (٢٤٠٨) والترمذي (٧١٥) وابن ماجه (١٦٦٧، ٣٢٩٩) والنسائي (٤/ ١٩٠).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) أخرجه بهذا اللفظ عبد بن حميد في مسنده (٨٢٩) ولم يخرج في صحيح مسلم.
(٤) سورة النساء: ١٠١.
(٥) مسلم (٦٨٦).