كَمُلَ بهذه الطريق أكملُ مِمَّن كَمُل بتلك من الأنبياء والصالحين، فإن هذا حصل المقصودُ باختياره، وذلك ابتلاه الله بما يحصل المقصود بغير اختياره.
وللنوعين أمثلةٌ، فصبر المصيبة مثلُ صبرِ يوسف على فراق أبيه وأهلِه، واسترقاقِ الغير له، وصبر الاختيار مثل صبره على الحبس لئلا يفعل الفاحشة، فهذا الثاني كان أفضل له، ولهذا نُقِل من الأول إليه، فلما كملَ بالثاني مكَّنَه الله.
ومثال الأول صبر يعقوبَ عن ابنه يوسف، ومثال الثاني صبر الخليل على أن يذبح ابنَه، فإن الخليل كان يذبح بِكْرَهُ، لم يكن له غيرُه، وأراد أن يذبَحه باختياره، فأسلم الأب والابن لله. وهذا أعظم من حالِ إسرائيل، فإنه فُرِّق بينه وبين يوسف بغير اختياره، وصبرَ حتى ردَّه الله عليه. والله تعالى يبتلي كلَّ واحدٍ بحسب حالِه، فالخليل أعظمُ وأفضل، فاحتملَ هذا البلاء الذي لا يحتمله غيرُه لو ابتُليَ به، بخلاف صبر المصيبة، فإن الصبر عليه موجود كثيرًا. وكذلك صبر نوح وهود وصالح وموسى على تكذيب الكفَّار وأذاهم لهم هو من أعظم النوعين، وكذلك صبر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ومَنْ آمن معه على أذى الكفار لهم بأنواع الأذى، ثم صبرهم لما هاجروا على الجهاد.
هذا الصبر أفضل النوعين، فلا جرمَ كان أهلُه أفضلَ الخلق عند الله، وهذا لا يحتمله كثير من أولياء الله، فيبتليه الله بمصائبَ يصبر عليها ليبلغ