فكما أن التنعُّم العاجل ليس بنعمةٍ في الحقيقة، بل قد يكون في الحقيقة بلاءً وشرًّا باعتبار المعصية فيه، والطاعةُ المتقدمة قد تكون حابطةً وسببًا للشرِّ باعتبار ما يتعقبها من ردَّةٍ وفتنة، فكذلك التألُّم العاجل قد يكون في الحقيقة خيرًا ونعمةً، والمعصية المتقدمة قد تكون سببًا للخير باعتبار التوبة والصبر على ما يعقبه من محنة، لكن تبدل الطاعة والمعصية.
وهذا يقتضي أن العبد محتاجٌ في كل وقتٍ إلى الاستعانة بالله على طاعته وتثبيتِ قلبه، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، وذلك أن الإنسان هو كما وصفه الله بقوله: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [هود: ٩ - ١٠]، ثم قال:{إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[هود: ١١]، فأخبر أنه عند الضراء بعد السرَّاء ييأس من زوالها في المستقبل، ويكفر بما أنعمَ الله به عليه قبلها، وعند النعماء بعد الضرَّاء يأمنُ عودَ المكروه في المستقبل، وينسى ما كان فيه بقوله:
(١) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء (١) وأبو نعيم في الحلية (٨/ ٣١٨) عن أنس بن مالك. قال أبو نعيم: غريب من حديث أنس، لم يروه عنه بهذا السياق إلا هشام الكناني، وعنه صدقة بن عبد الله أبو معاوية تفرد به الحسن بن يحيى الخشني. وانظر: العلل المتناهية (١/ ٣١، ٣٢).