بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الحج: ٥٢ ــ ٥٤]، فإنه ذكر الذين أوتوا العلم هنا فقط، كما قال هناك:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}.
وإنما ذكر أهل العلم في هذين الموضعين لما فيه من الشبهة بما ألقاه الشيطان في أمنيته وما نزل [من] المتشابهات، فكأنّ الخبر بالإيمان وأن الجميع من عند الله عن أهل العلم دليل على بطلان الشبهة والعلم بأنه لا حقيقة له، ولا مانع أن يكون إذا قال هذا من هو راسخ في العلم أن لا يقوله غيرُه. يُبيِّن ذلك أنه على الوقفين إنما أخبر بقولهم فقط مهنئًا بهم اختصوا بعلم تأويل القرآن، وأخبر بقول:{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} عنهم وحدهم، مع أنه قول كلّ مؤمن، إذ المقصود أن العلم يوجب هذا القول، ومن لم يقله وإن كان له نصيب من العلم فليس براسخٍ فيه. فاليهود الذين أوتوا العلم فلم يؤمنوا بمحمدٍ إيمانَهم ليسوا راسخين في العلم.
وأما تلك الآية فإنما قال:{لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ} أي من أهل الكتاب {وَالْمُؤْمِنُونَ} هم المؤمنون من العرب وغيرهم الذين ليسوا أهل كتاب، فإن هؤلاء وإن كانوا بعد مبعث محمد صاروا أو بعضهم أرسخ في العلم من أولئك، فإنهم لم يكونوا قبل سماع القرآن أهل علم بالكتاب، كما كان عند أولئك علمٌ عَلِمُوه من غير القرآن.