للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نفيٌ لإرادته منهم أن يطعموه، فهو نفيٌ لإطعامهم، وهذا موافق لقوله (وَهُوَ يُطعِمُ وَلَا يُطعَمُ) على البناء للمفعول. ولو أريد نظير تلك القراءة لقال: "فإني لا أطعَم" ونحو ذلك. ولا ريب أنه سبحانه منزَّهٌ عن الأكل والشرب، بل الملائكة لا تأكل ولا تشرب، فكيف بالسبوح القدوس ربّ الملائكة والروح؟

وهذا المعنى قد دلّ عليه في مواضع:

منها: اسمه "الصمد"، فإن من معناه الذي لا يأكل ولا يشرب، كما قد بيّن هذا في تفسير هذه السورة (١).

ومنها: قوله (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقه كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون (٧٥)) (٢). وهو سبحانه ذكر هذا بعد قوله: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (٧٢) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥)) (٣).


(١) ضمن "مجموع الفتاوى" (١٧/ ٢٢٣ - ٢٢٥).
(٢) سورة المائدة: ٧٥.
(٣) الآيات ٧٢ - ٧٥.