وكذلك قوله "عملك أجزيك به أحوج ما تكون إليه"، فإنه يحب الثواب الذي هو جزاء العمل، فإنما يعمل لنفسه، لها ما كسبتْ وعليها ما اكتسبت. ثم إذا طلب العبادة فإنما يطلبها من حيث هي نافعة له محصِّلَة لسعادته، فلا يطلب العبد قَطُّ إلا ما فيه حظٌّ له، وإن كان الربُّ يُحِبُّ ذلك فهو يطلبه من حيث هو ملائم له، والربُّ تعالى يحبُّ أن يُعبَد لا يُشرَك به شيئا، ومن فعل ذلك من العباد أحبَّه وأثابَه، فيَحصُل للعبد ما يُحِبُّه من النعيم تبعًا لمحبوب الربّ، وهذا كالبائع والمشتري، البائع يريد أولًا الثمن، ومن لوازم ذلك إرادة تسليم المبيع، والمشتري يريد السلعة، ومن لوازم ذلك إرادة إعطاء الثمن.
فالرب تعالى يُحبّ أن يُعبَد، ومن لوازم ذلك أن يحبّ مالا تَحصُل العبادةُ إلا به، والعبد يحبّ ما يحتاج إليه وينتفع به، ومن لوازم ذلك محبته لعبادة الله تعالى. فمن عَبَد اللهَ وأحسن إلى الناس لله فهذا قائم بحقّ الله وحقّ عبادِه لأجله، ومن طلبَ منهم العوضَ ثناءً أو دعاءً أو غير ذلك لم يُحسِن إليهم لله. ومن خافَ اللهَ فيهم ولم يَخَفْهم فقد قام بحقّ الله في إخلاص الدين له، وقام بحقّهم، فإنّ خوف الله يحمله على أن يعطيهم مالهم ويَكُفَّ عن ظلمهم؛ ومن [لم] يخفِ اللهَ بل خافَ الناسَ، ولم يَرجُ الله بل رَجَا الناسَ فهذا ظالم في حق الله، حيث خافَ غيرَه ورَجَا غيرَه، وظالم للناس لأنه إذا خافهم دون الله فإنه يحتاج أن يدفعَ شرَّهم عنه، وهو إذا لم يخفِ اللهَ بنفسِه وهواه يختار العدوانَ عليهم والبغي، فإن طبع النفس ظُلم من لا يظلمها، فكيف من يظلمها؟ فتجد هذا الضربَ كثيرَ الخوف من الخلق كثير الظلم لمن يخافه بحسبه. وهذا مما يُوقع الفِتنَ بين الناس.