والتمييز، كتخصيص بعض الأعيان بنوع من المقادير والصفات والحركات وغير ذلك، مما يمكن ضده وخلافه. أما التخصيص بالخير دون الشر، والنفع دون الضر، والنعيم دون العذاب، وجَعْلُ هذا محبوبًا، وهذا مودودًا مرضئا، وهذا ممقوتًا مبغضًا مسخوطًا، فلا يجوز أن يكون معنى هذا الإرادة المحضة، لأن الإرادة متعلقة (١) بكل حادث، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وحكمُها في سائر أنوٍ اع الحوادث حكم واحد، فلِمَ سُمِّيَتْ هنا محبة وهنا بُغضًا؟ وهنا رضى وهنا غضبًا؟ وهنا مودةً وهنا مقتًا؟ ألا ترى أن الإرادة المتعلقة بغير المأمور به والمنهي عنه لا تتنوع إلى ذلك، فلا يقال في حق الجائع والشبعان والصحيح والمريض والَامن والخائف والناكح والمحتلم والغني والفقير والرئيس والمرؤوس: هذا محبوب مرضيٌّ مودود، وهذا مبغض مسخوط ممقوت، وإن كان أحدهما متنعمًا بما هو فيه، والَاخر معذَّبًا بما هو فيه.
فإذا كان قد أثاب قومًا بعملهم الصالح في الدنيا والآخرة، وعاقب قومًا بعملهم السيء في الدنيا والآخرة، والجميع بمشيئته، كما أن التفريق بين الجائع والشبعان، وبأنه بمشيئته، فلم يجعل في هؤلاء محبوبًا ومكروهًا، ولم يجعل في باب الشبعان والجائع محبوبًا ومكروهًا، حيث لا يتعلق به أمر شرعي، فتعلُّقُ الحبِّ والرضى والبغض والسخط بالأمر الديني الشرعى، دون مالم يتعلق به ذلك- مع