للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العبد بشبيهِ هذا، لكن لا يبين امتناعَ التسلسل اكتفاءً منه بما قرر في حدوث العالم، وذلك متنازع فيه بين المسلمين وغيرهم، أو لظهور ذلك في حق العبد، وهو يقرره بالإمكان، وتقريره بالحدوث أظهر.

وقد ذكرنا غير مرة أن ما دلّ على حدوث الحوادث المشهودة وأنها خلقٌ لله، يدلّ على ذلك في أفعال العبد، لا فرق بين أفعاله وسائر صفاته.

والمقصود هنا الطرف الثاني، وهو أن ذلك الفعل لا بد له من منتهى هو المحبوب المقصود المطلوب به. فنقول: كما أن العبد يُوجَد فعله تارة ويُعدَم أخرى، ففعله الموجود بإرادته قد يريد به ما يصلحه وينفعه تارة، وقد يريد به ما يفسده ويضره أخرى، وذلك لأنه إما أن يصلح له أن يفعل كل ما يهواه ويحبه ويريده من الأفعال، فيقصد ويعبد ويطلب كلّ ما يهواه، أو لا يصلح ذلك إلا في بعض الأمور دون بعض.

والأول باطل، لأنه إذا فعل كل شيء يهواه ويحبه لزم وقوع الفساد المستلزم لنقيض ما يحبه ويهواه، بل لو وقع في الوجود كل ما يهواه كل إنسان لزم فساد العالم، كما قال تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) (١)، وذلك أن أهواء النفوس ليس لها حدّ تقف عنده إذا أعطيت القدرة، بل هذا يهوى أن يغلب هذا فيقتله أو يأخذ ماله أو رئاسته، وهذا كذلك، وهذا يهوى أن ينال ما


(١) سورة المؤمنون: ٧١.