عليها طعامُه وشرابُه بعد يأسِه منها في الأرض المهلكة، وهو سبحانَه هو الذي وفَّقه لها، وهو الذي ردَّها إليه". وهذا غاية ما يكون من الفضل والإحسان، وحقيقٌ بمن هذا شانُه أن لا يكون شي لا أحبَّ إلى العبدِ منه.
ثمَّ قال: "وأنا على عهدِك ووَعْدِك ما استطعتُ"، فالله سبحانه وتعالى عَهِد إلى عبادِه عهدًا أمرهم فيه ونهاهم، ووعدهم على وفائهم بعهده أن يثيبَهم بأعلى المثوبات، فالعبد يسير بين قيامه بعهد الله إليه وتصديقِه بوعدِه. أني أنا مقيم على عهدِك مُصدِّقٌ بوعدِك.
وهذا المعنى قد ذكره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كقوله: "من صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه" (١). والفعل إيمانًا هو العهد الذي عَهِدَه إلى عبادِه، والاحتساب هو رجاؤه ثوابَ الله له على ذلك، وهذا لا يَليقُ إلاّ مع التصديق بوعده. وقوله "إيمانًا واحتسابًا" منصوبٌ على المفعول له، إنما يَحمِلُه على ذلك إيمانُه بأن الله شرعَ ذلك وأوجبَه ورَضِيَه وأمر به، واحتسابُه ثوابَه عند الله، أي يفعله خالصًا يرجو ثوابَه.
وقوله: "ما استطعتُ" أي إنما أقومُ بذلك بحسب استطاعتي، لا بحسب ما ينبغي لك وتستحقه علي. وفيه دليل على إثباتِ قوة العبد واستطاعتِه، وأنه غيرُ مجبورٍ على ذلك، بل له استطاعةٌ هي مناطُ الأمر والنهي والثواب والعقاب. ففيه رد على القدرية المجبِّرة الذين يقولون: إن العبد لا قدرةَ له ولا استطاعة، ولا فعلَ له البتَّة، وإنما يعاقبه الله على فعلِه هو، لا على فعل العبد. وفيه رد على طوائف المجوسية وغيرهم.
(١) أخرجه البخاري (٣٨ ومواضع أخرى) ومسلم (٧٦٠) عن أبي هريرة.