ويتوكلون على غير الله، بل يعبدون غيرَ الله، ويَقَعُون في المُحرَّمات من الفواحش والمظالم، ويُعرِضَون عن الواجبات، حتى عن الفرائض؛ لأن قلوبهم ليست مخلصة لله الدين، فليسوا من أهل التوحيد الأول. وأولئك هم الذين قال الله تعالى فيهم:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الحجر:٤٢]. وقال:{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[النحل: ٩٩]. وقال الشيطان: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: ٨٢ - ٨٣]. وقال:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}[العنكبوت: ٦١].
وهؤلاء يَرونَ حالهم مرتفعة عن حال الذين يشهدون (١) جمعَهم وتوحيدَهم، وهم العامة الذين تَفرّقت قلوبهم في المخلوقات، وهم أهل الفَرْق الأول، ومع هذا فَهُمْ في الحقيقة راجعون إلى فرق أولئك؛ إذ لا بد لهم من الفَرْق، فإن لم يكونوا في الفرق الإلهيّ النبويّ الشرعيّ كانوا في فَرْقٍ آخر، وهذا حال العامة، بل العامة خير منهم من وجه، وذلك أنهم يؤمنون بالجمع والفَرْق، بأنّ الله ربَّ كلِّ شيء ومليكه، وبأنه يأمر بالحسنات، وينهى عن القبائح.
وإذًا تَفْرِقة العامة بحسبِ أهوائها، لم تَجْعَل ذلك دينًا، بل تعرف أنه ذنب وقبح، ولا يقولون: إنه يسقط عنهم الأمر والنهي.