يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)) (١)، فجعل الظلم في حق الله تعالى قسمًا خارجًا عن ظلم العبد نفسه، وعن ظلم العباد، وهذا يقتضي أن لله فيه حقًّا قد ضيَّعه العبد، لا أنه مجرد ظلم العبد نفسه كالمعاصي، وإن كانت المعاصي مخالفةً لأمر الله وتركًا لما أوجبه، وجنايةً على دين الله.
وأيضًا فإن الله قد أخبر أنه يحب الحسنات المأمور بها، من الإيمان والعمل الصالح، وأنه يرضاها، ويحب أهلها، ويرضى عنهم، والحب مستلزم للإرادة، وهو مع ذلك فقد شاء جميع الكائنات، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وقد قررتُ هذه القاعدة في غير هذا الموضع، وبينتُ الفرقَ بين كلماته الكونيات، وما يتصل بها من أمر وإرادة وإذن وحكم وبعث وإرسال وغير ذلك، وبين كلماته الدينيات، وما يتصل بها من أمر وإرادة وحكم وبعث وإرسال، قررت هذا الأصل الفارق في غير موضع، وأن منه تزول الشبهات الحاصلة في مسائل الدين والقدر وتعارضهما.
وحقيقة ذلك تعود إلى أن الدين الذي أمر الله به شرعًا من بين سائر الكائنات، له من الله مزية واختصاص بذلك صار محبوبًا مأمورًا به، وذلك من وجهين:
أحدهما: من جهة عوده إلى الخلق، لما في الدين من مصلحتهم ومنفعتهم في الدنيا والآخرة بالثواب والنعيم المقيم المتعلق بالمخلوق، والمتعلق بالخالق، كالنظر إلى وجهه الكريم.